فصل: 1- دلائل نفي الولد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)}.
أخرج البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك، فإما تكذيبه إياي فيزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله لي ولد، فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدًا».
وأخرج البخاري وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله: كذبني ابن آدم ولم ينبغ له أن يكذبني، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني، أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أوّل الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدًا وأنا الله الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن مردويه والبيهقي عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله إنهم يجعلون له ولدًا، ويشركون به وهو يرزقهم ويعافيهم».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن غالب بن عجرد قال: حدثني رجل من أهل الشام قال: بلغني أن الله لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر لم يكن في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها ثمرة، حتى تكلم فجرة بني آدم بتلك الكلمة العظيمة قولهم: {اتخذ الله ولدًا} فلما تكلموا بها اقشعرت الأرض وشاك الشجر.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وقالوا اتخذ الله ولدًا سبحانه} قال: إذا قالوا عليه البهتان سبح نفسه.
أما قوله تعالى: {سبحانه}.
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والمحاملي في أماليه عن ابن عباس في قوله: {سبحان الله} قال: تنزيه الله نفسه عن السوء.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن التسبيح أن يقول الإِنسان سبحان الله؟ قال: «براءة الله من السوء». وفي لفظ: «انزاهه عن السوء» مرسل.
وأخرج ابن جرير والديلمي والخطيب في الكفايه من طرق أخرى موصولًا عن موسى بن طلحه بن عبيد الله عن أبيه عن جده طلحه بن عبيد الله قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير {سبحان الله} قال: «هو تنزيه الله من كل سوء».
وأخرج ابن مردويه من طريق سفيان الثوري عن عبد الله بن عبيد الله بن موهب أنه سمع طلحة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن {سبحان الله} قال: «تنزيه الله عن كل سوء».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران. أنه سئل عن {سبحان الله} فقال: اسم يعظم الله به ويحاشى عن السوء.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس أن ابن الكواء سأل عليًا عن قوله: {سبحان الله} فقال علي: كلمة رضيها الله لنفسه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: {سبحان الله} اسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه.
وأخرج عبد بن حميد عن يزيد بن الأصم قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنه فقال: لا إله إلا الله نعرفها أنه لا إله غيره، والحمد لله نعرفها أن النعم كلها منه وهو المحمود عليها، والله أكبر نعرفها أنه لا شيء أكبر منه، فما سبحان الله؟ فقال ابن عباس: وما تنكر منها...؟! هي كلمة رضيها الله لنفسه وأمر بها ملائكته، وفرغ إليها الأخيار من خلقه.
أما قوله تعالى: {كل له قانتون}.
أخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن حبان والطبراني في الأوسط وأبو نصر السجزي في الإِبانة وأبو نعيم في الحلية والضياء في المختارة عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طرق عن ابن عباس في قوله: {قانتون} قال: مطيعون.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس. أن نافع ابن الأزرق سأله عن قوله: {كل له قانتون} قال: مقرون. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول عدي بن زيد:
قانتًا لله يرجو عفوه ** يوم لا يكفر عبد ما ادخر

وأخرج ابن جرير عن عكرمة {كل له قانتون} قال: مقرون بالعبودية.
وأخرج ابن جرير عن قتادة {كل له قانتون} أي مطيع مقر بأن الله ربه وخالقه. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قرأ الجمهور: {وَقَالُوا} بالواو عطفًا لهذه الجملة الخبرية على ما قبلها، وهو أحسن في الربط.
وقيل: هي معطوفة على قوله: {وَسَعَى} فيكون قد عطف على الصّلة مع الفعل بهذه الجمل الكثيرة، وهذا ينبغي أن ينزّه القرآن عن مثله.
وقرأ ابن عامر وكذلك هي في مصاحف الشام: {قَالُوا} من غير واو، وكذلك يحتمل وجيهن:
أحدهما: الاستئناف.
والثاني: حذف حرف العَطْف وهو مراد، استغناءٌ عنه بربط الضَّمير بما قبل هذه الجملة، و{اتَّخَذَ} يجوز أن يكون بمعنى عمل وصنع، فيتعدّى لمفعول واحد، وأن يكون بمعنى صَيَّر، فيتعدّى لاثنين، ويكون الأول هنا محذوفًا تقديره: وقالوا: اتخذ الله بعض الموجودات ولدًا، إلا أنه مع كثرة دور هذا التركيب لم يذكر معها إلا مَفْعُول واحد: {وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَدًا} [الأنبياء: 26]، {مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ} [المؤمنون: 91]، {وَمَا يَنبَغِي للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 92].
والوَلد فعل بمعنى مفعول كالقَبْض والنقص وهو غير مقيس والمصدر: الولادة والوليدية وهذا الثاني غريب.
وقوله: {سبحانه}.
قال القرطبي رحمه الله تعالى: {سُبْحَان} منصوب على المصدر، ومعناه التبرئة والتنزيه عما قالوا.
قوله تعالى: {بَل لَّهُ مَا فِي السماوات والأرض}.
{بَلْ} إضراب وانتقال، و{لَهُ} خبر مقدم، و{ما} مبتدأ مؤخر، وأتى هنا ب {مَا}؛ لأنه إذا اختلط العاقل بغيره كان المتكلّم مخيرًا في {مَا} و{مَنْ}، ولذلك لما اعتبر العقلاء غلبهم في قوله: {قَانِتُونَ}، فجاء بصيغة السَّلامة المختصّة بالعقلاء.
قال الزمخشري فإن قلت: كيف جاء ب {مَا} التي لغير أولي العلم مع قوله: {قَانِتُونَ}.
قلت: هو كقوله: سبحان ما سخركن لنا وكأنه جاء ب {ما} دون من تحقيرًا لهم وتصغيرًا لشأنهم، وهذا جنوح منه إلى أن {ما} قد قد تقع على أولي العلم، ولكن المشهور خلافه.
وأما قوله: سُبْحان ما سَخَّرَكُنَّ لَنَا فسبحان غير مضاف، بل هو كقوله:
...... ** سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةً.....

و{ما} مصدرية ظرفية.
قوله تعالى: {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} مبتدأ وخبر، و{كُلُّ} مضاف إلى محذوف تقديرًا، أي: كلّ مَنْ في السموات والأرض.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون كل من جعلوه لله ولدًا كذا قال أبو حيان رحمه الله تعالى.
وهذا بعيد جدًا، لأن المجعول ولدًا لم يَجْرِ له ذكر، ولأن الخبر يشترك فيه المجعول ولدًا وغيره.
قوله: لم يَجْرِ له ذكر بل قد جرى ذكره فلا بُعْدَ فيه.
وجمع {قَانِتُونَ} حملًا على المعنى لما تقدم من أن {كُلاَّ} إذا قطعت عن الإضافة جاز فيها مراعاة اللفظ، ومراعاة المعنى، وهو الاكثر نحوه: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33] {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل: 87] ومن مراعاة اللَّفظ: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ} [الإسراء: 84] {فَكُلًا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ} [العنكبوت: 40]، وحسن الجمع هنا لِتَوَاخي رُءُوس الآي.
والقُنُوت: أصله الدوام، ويستعمل على أربعة أوجه: الطاعة والانقياد، كقوله تعالى: {يامريم اقنتي لِرَبِّكِ} [آل عمران: 43] وطول القيام، كقوله عليه السلام لما سئل: أي الصَّلاة أفضل؟ قال: «طول القُنُوت» وبمعنى السّكوت كقول زيد بن أرقم رضي الله عنه: كنا نتكلّم في الصلاة حتى نزل قوله تعالى: {وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فأمسكنا عن الكلام والدعاء، ومنه القنوت. اهـ.

.بحوث مهمة:

.1- دلائل نفي الولد:

نسبة الولد إلى الله سبحانه، هي دون شك وليدة سذاجة فكرية، قائمة على أساس مقارنة كل شيء بالوجود البشري المحدود.
الإِنسان يحتاج إلى الولد لأسباب عديدة: فهو من جانب ذو عمر محدود يحتاج إلى توليد المثل لاستمرار نسله.
ومن جهة أُخرى هو ذو قوّة محدودة تضعف بالتدريج، ويحتاج لذلك- وخاصة في فترة الشيخوخة- إلى من يساعده في أعماله.
وهو أيضًا ينطوي على عواطف وحبّ للأنيس، وذلك يتطلب وجود فرد أنيس في حياة الإِنسان، والولد يلبي هذه الحاجة.
واضح أن كل هذه الأُمور لا يمكن أن تجد لها مفهومًا بشأن الله سبحانه، وهو خالق عالم الوجود والقادر على كلّ شيء، وهو الأزلي الأبدي.
أضف إلى ذلك، الولد يستلزم أن يكون الوالد جسمًا والله منزّه عن ذلك.

.2- تفسير {كُنْ فَيَكُونُ}:

هذا التعبير ورد في آيات عديدة منها الآية 47 و59 من سورة آل عمران، والآية 73 من سورة الأنعام، والآية 40 من سورة النحل والآية 35 من سورة مريم، والآية 82 من سورة يس، وغيرها، والمراد منها الإِرادة التكوينية لله تعالى وحاكميته في الخليقة.
بعبارة أوضح: المقصود من جملة {كُنْ فَيَكُونُ} ليس هو صدور الأمر اللفظي {كُنْ} من قبل الله تعالى، بل المقصود تحقق إرادة الله سبحانه حينما تقتضي إيجاد شيء من الأشياء، صغيرًا بحجم الذّرة كان، أم كبيرًا بحجم السماوات والأرض، بسيطًا كان أم معقدًا، دون أن يحتاج في ذلك الإِيجاد إلى أية علّة أخرى، ودون أن تكون هناك أية فترة زمنية بين الإِرادة والإِيجاد.
لا يمكن للزمان أن يفصل بين الأمر والكينونة، ولذلك فإن الفاء في جملة {فَيَكُون}، لا تدل على تأخير زمني كما هو الحال في الجمل الأخرى، بل إنها تدل فقط على التأخير في الرتبة الفلسفة أثبتت تأخر المعلول عن العلة، وهذا التأخر ليس زمنيًا، بل في الرتبة- تأمل بدقة.
ليس المقصود أن الشيء يصبح موجودًا متى ما أراد الله ذلك، بل المقصود أن الشيء يصبح موجودًا بالشكل الذي أراده الله.
على سبيل المثال، لو أراد الله أن يخلق السماوات والأرض في ستة أيّام، لكان ذلك، دون زيادة أو نقص، ولو أراد أن توجد في لحظة واحدة لوجدت بأجمعها في لحظة واحدة، فذلك تابع لكيفية إرادته ولما يراه من مصلحة.
ولو شاء الله- مث- أن يبقى الجنين في رحم أمه تسعة أشهر وتسعة أيّام ليطوي مراحل تكامله، لما زادت هذه المدة وما نقصت. أمّا لو شاء أن يطوي هذا الجنين مراحل تكامله خلال لحظة واحدة لحدث ذلك قطعًا، لأن إرادته علّة تامّة للخليقة، ولا يمكن أن توجد فاصلة بين العلة التامة ووجود المعلول.

.3- كيف يوجد الشيء من العدم؟

كلمة {بَدِيعُ} من بدع، والإبداع إنشاء صنعة بلا احتذاء واقتداء منه، وفي الآية بمعنى إيجاد الشيء من غير مادة سابقة.
والسّؤال الذي يطرح في هذا المجال يدور حول إمكان إيجاد الشيء من العدم، فكيف يمكن للعدم- وهو نقيض الوجود- أن يكون منشأ للوجود؟ وهذه هي الشبهة التي يوردها الماديون في مسألة الإبداع ليستنتجوا منها أن المادة الأصلية للعالم أزلية أبدية، ولا يطرأ عليها وجود وعدم إطلاقًا.
الجواب:
في المرحلة الأولى، يوجّه نفس هذا الإِعتراض إلى الماديين فهؤلاء يعتقدون أن مادة هذا العالم قديمة أزلية، ولم ينقص منها شيء حتى الآن، والذي نراه يتغير هو الصورة وحدها، لا أصل المادة. ونحن بدورنا نسأل: كيف وجدت الصورة الحالية للمادة ولم تكن موجودة من قبل؟ هل وجدت من العدم؟ إذا كان كذلك، فكيف يمكن للعدم أن يكون منشأ للوجود؟ تأمل بدقّة.
على سبيل المثال، يقول الماديون في لوحة زيتية مرسومة على ورقة أنّ زيوت التلوين كانت موجودة، ونحن نسأل: كيف وجدت هذه الصورة التي لم تكن موجودة من قبل؟
كل جواب يقدمونه بشأن إيجاد الصورة من العدم نقدمه نحن أيضًا بشأن إيجاده المادة.
وفي المرحلة الثانية، ينبغي التأكيد على أن خطأ الماديين ناتج عن كلمة من.
هؤلاء تصوروا قولنا: أن العالم وجد من العدم شبيه بقولنا أن المنضدة وجدت من الخشب حيث لابدّ من وجود الخشب أوّ لكي توجد المنضدة. بينما جملة وجود العالم من العدم لا تعني ذلك. بل تعني أن العالم لم يكن موجودًا ثم وجد. وهل في هذه العبارة تضاد أو تناقض؟!
وبالتعبير الفلسفي: كل موجود ممكن الذي لا يملك الوجود ذاتيًا له جانبان: ماهية ووجود، الماهية هي المعنى الاعتباري الذي يتساوى في نسبته للعدم والوجود. بعبارة أخرى، الماهية هي المقدار المشترك الذي نفهمه من ملاحظة وجود شيء وعدمه. فهذه الشجرة لم تكن موجودة سابقًا وهي موجودة الآن، والشخص الفلاني لم يكن موجودًا سابقًا وهو الآن موجود، وما أسندنا إليه الحالتين الوجود والعدم هي الماهية.
من هنا يكون معنى قولنا إن الله أوجد العالم من العدم هو أنه سبحان نقل الماهية من حالة العدم إلى حالة الوجود، وبعبارة أخرى وضع لباس الوجود على جسد الماهية. اهـ.